كان بين السيد محمد باقر الداماد والشيخ البهائي (رحمهما الله) خلطة تامة ومؤاخاة عجيبة قل ما يوجد نظيرها وقد نقل: أن السلطان شاه عباس الصفوي ركب يوماً إلى بعض مقاصده، وكان الميرداماد والبهائي أيضاً في موكبه لأنه كان لا يفارقهما غالباً، وكان السيد الداماد عظيم الجثة بخلاف الشيخ البهائي فإنه كان نحيف البدن في غاية الهزال.
فأراد السلطان أن يختبر صفاء الخواطر فيما بينهما، فجاء إلى السيد الداماد، وهو راكب فرسه في مؤخر الجمع وقد ظهر من وجناته الإعياء والتعب لثقل جثته، وكان جواد الشيخ البهائي في مقدم الجمع يركض كأنما لم يحمل عليه شيء.
فقال: يا سيدنا ! ألا تنظر إلى هذا الشيخ في مقدم الجمع كيف يلعب بجواده ولا يمشي على وقار بين هذا الخلق مثل جنابك المتأدب المتين؟
فقال السيد: أيها الملك! إن جواد شيخنا لا يستطيع أن يتأنى في جريه من شغف ما حمل عليه، لأنه يعلم من ذا الذي ركبه؟
ثم جاء إلى الشيخ البهائي وقال: يا شيخنا! ألا تنظر إلى ما خلفك كيف أتعب هذا السيد المركب، وأورده من غاية سمنه في العي والنصب، والعالم لا بد أن يكون مثلك مرتاضاً خفيف المؤونة؟
فقال: لا، أيها الملك! بل العي الظاهر في وجه الفرس من عجزه عن تحمل حمل العلم الذي يعجز عن حمله الجبال الرواسي على صلابتها.
فلما رأى السلطان المذكور تلك الألفة التامة والمودة الخالصة بين عالمي عصره، نزل من ظهر دابته بين الجمع، وسجد لله تعالى، وعفر وجهه بالتراب، شكراً على هذه النعمة العظيمة.
وحكايات سائر ما وقع أيضاً بينهما من المصادقة والمصافاة وتأييدهما الدين المبين بخالص النيات كثيرة، فأكرم بهما من عالمين صفيين ومخلصين رضيين.